الأصوات الريفية | 12 ديسمبر 2022

ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد سهول مصر الخصبة في دلتا النيل

الوقت المقدّر للقراءة: 10 دقائق

ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد سهول مصر الخصبة في دلتا النيل



"هذه هي الأراضي الجديدة"، هكذا قيل لنا ونحن نتجه بالسيارة إلى منطقة مطوبس في دلتا نهر النيل العظيم.

وقبل أقل من عشر سنوات، كانت هذه الأراضي مجدبة، وغير مأهولة، وبعيدة عن المياه النظيفة.
أما اليوم، فنحن نمر بقطعة أرض بعد أخرى من الحقول المحروثة، والتي تغذيها قنوات الري، بينما أخذت المجتمعات المحلية في الظهور مع انتقال الناس من المناطق المزدحمة بالسكان إلى هذه الأراضي الجديدة الغنية بفرص العمل.
لقد كانت الأراضي الواقعة على جانبي نهر النيل خصبة دائما بحيث أن قدماء المصريين كانوا من أول المجموعات السكانية التي مارست الزراعة على نطاق واسع.
ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة يرتفع مستوى سطح البحار أيضا، مما يجعل هذه المنطقة المنخفضة واحدة من أكثر ثلاث مناطق ساخنة معرضة لآثار تغير المناخ.
وبالإضافة إلى موجات الحر، على السكان هنا أن يواجهوا ازدياد ملوحة التربة مع تسلل مياه البحر إلى الأراضي الزراعية.
وارتفاع نسبة الملوحة يعني أن المحاصيل التي كان يعتمد عليها في يوم من الأيام أخذت تفشل الآن وتسقط ضحية للأراضي المالحة. وقد أخذ المزارعون يتحولون إلى محاصيل أكثر تحملا بدلا منها.
وليس السكان المحليون وحدهم من يعاني من هذه التبعات. فدلتا النيل هي السلة الغذائية لمصر، وتمثل أكثر من ثلث الأراضي الزراعية للبلد وتساهم بخمس الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
وبفضل مشروع الاستثمارات وسبل كسب العيش الزراعية المستدامة، يجري الجمع بين البنية التحتية، والتدريب، والخدمات ليس من أجل حماية الأراضي وحسب، بل وأيضا من أجل تحسين جودة الأراضي التي كانت مجدبة في السابق.
وتخبرنا سفيرة الصندوق للنوايا الحسنة Sabrina Dhowre Elba، والزملاء في الصندوق، ومنسقو المشروع والمشاركون فيه عن أثر المشروع على حياة السكان.


بيوت تستمد طاقتها من اليوريا

سفيرة الصندوق للنوايا الحسنة: Sabrina Dhowre Elba


منذ اللحظة الأولى التي قابلت فيها سوسو محمد علي يوسف كانت مصدر إلهام بالنسبة لي.

لقد رحبت بنا أمام بيتها وكانت متحمسة لترينا نظام الغاز الحيوي الذي غير حياتها للأفضل. وهذا النظام المبتكر والبسيط يحول اليوريا الحيوانية إلى غاز للطهي.
وفي الداخل، أرتنا المدفأة التي طهت عليها في وقت سابق من اليوم الأرز واللحم لنفسها ولأطفالها الثلاثة.
وبفضل الغاز الحيوي، لم تعد بحاجة لشراء أسطوانات الغاز موفرة بذلك حوالي 8 دولارات أمريكية في الشهر حسب الأسعار الحالية.
ولكن ليس هذا كل شيء. فهي تستخدم المنتج الثانوي من نظام الغاز الحيوي كسماد يغذي نبات البرسيم وأشجار الحمضيات لديها. ولقد جربت ثمار البرتقال بنفسي – وكانت لذيذة!
لقد أذهلتني قوة هذه المرأة والتغييرات الهائلة التي يمكن لتكنولوجيا بسيطة نسبيا - ولكن مستدامة – أن تحدثها في حياة الناس.

نظام إيكولوجي كامل تحت سقف واحد

هاني درويش، منسق مشروع الاستثمارات وسبل كسب العيش الزراعية المستدامة

 
لا بد من مشاهدة الاستزراع النباتي والسمكي كي يُصدق. فهذا النظام البسيط يكّون علاقة مفيدة متبادلة يجري بموجبها تدوير المياه من حوض للأسماك إلى مشتل للنباتات قبل إعادتها إلى حوض الأسماك.
وتنمو النباتات بسرعة بفضل الحصول على المغذيات التي توفرها الأسماك على مدار الساعة.
والمزارعون هنا متفائلون – حيث أن هذه الطريقة الزراعية الغنية بالمغذيات، والمراعية للبيئة، وسهلة التشغيل تعني أن لديهم مصدر دخل ثابت بالإضافة إلى إطعام أنفسهم.
والأكثر من ذلك هو أن نظم الاستزراع النباتي والسمكي يمكن إنشاؤها في الحدائق أو حتى على أسطح البيوت بحيث تستغل الأراضي المتاحة على أحسن وجه.
ومع تسارع وتيرة موجات الجفاف والحر، يوفر الاستزراع النباتي والسمكي، الذي يستخدم ما يصل إلى نسبة 90 في المائة أقل من المياه من النظم الزراعية التقليدية، للمزارعين هنا مستقبلا أكثر قدرة على الصمود.

سد الفجوة

مديحة حمدي عبد الرؤوف، مشاركة في مشروع الاستثمارات وسبل كسب العيش الزراعية المستدامة


كانت حياتي من قبل مختلفة جدا على الرغم من أنني كنت دائما أحب الخياطة. ومع امتلاكي لآلة خياطة عادية واحدة، كنت أكافح من أجل تغطية نفقاتي.
ثم سمعت عن المشروع، وتلقيت التدريب، وحصلت على آلتي خياطة إضافيتين.
وقد غير هذا مجرى حياتي. واشتريت آلة خياطة أخرى بالمال الذي كسبته من بيع منتجاتي في السوق، وأقوم حاليا بتدريب الفتيات على الخياطة كي يتمكنّ من كسب قوت عيشهن.
وأستطيع من دخلي الاستثمار في تعليم أطفالي.
والاستدامة هي طبيعة ثانية بالنسبة لي. فأنا أستخدم المواد المعاد تدويرها في صنع ألبستي. ويستخدم أعضاء جمعية الريف الأخضر النسائية التابعة للمشروع – والتي تقدم لنا التدريب وغير ذلك من الدعم – قطع المنسوجات لصنع البُسط المنسوجة يدويا.
 

شق الطريق نحو مستقبل أفضل

دينا صالح، المديرة الإقليمية في الصندوق


يشهد إقليم شرق أفريقيا موجة جفاف غير مسبوقة. ولطالما اعتمدت الزراعة في مصر على الري مستفيدة من مياه النيل الوفيرة عادة.
ولكن المزارعين الذين قابلتهم في الحقول أخبروني كيف أن نقص المياه يعني عدم تمكنهم من الزراعة. وأخبروني كيف أن الأسمدة والمدخلات الأخرى أصبحت أكثر تكلفة الآن، وكيف أن التربة – التي كانت خصبة في يوم من الأيام – تضر بمحاصيلهم بدلا من أن تغذيها.
وهؤلاء المزارعون هم ضحايا الأزمات المتفاقمة التي نسمع الكثير عنها هذه الأيام: تغير المناخ، والنزاع، وأزمة الغذاء العالمية.
ولكن ما زال هناك أمل.
تجري إلى جانبنا قناة مليئة بالمياه النظيفة بفضل استثمارات الصندوق والشركاء الحكوميين. وبإدارة المياه من خلال الري والممارسات الزراعية، يستخدم هؤلاء المزارعون المياه بكفاءة ويكسبون قوت عيشهم على الرغم من أزمة المناخ.
وبعد أن شاهدت الأثر على الأرض، يمكنني أن أقول بأنه ليست هناك مؤسسة أكثر ملاءمة للتعامل مع أنواع المشاكل التي يعاني منها المزارعون هذه الأيام من الصندوق.
 

تحويل اليوريا إلى غاز للطهي. تحويل الأراضي المجدبة من خلال الري. ازدهار النباتات والأسماك بشكل تكافلي. إعطاء المنسوجات حياة ثانية.

دلتا النيل هي أرض التحول.

ومشروع الاستثمارات وسبل كسب العيش الزراعية المستدامة يلعب دورا في هذا، متجاوزا الحلول الزراعية ليقدم للمجتمعات المحلية الريفية الدعم الملائم لاحتياجاتها، ومواردها، ومهاراتها.





 

اكتشف المزيد