هل تصبح الصين اكثر صداقة للبيئة؟

IFAD Asset Request Portlet

ناشر الأصول

هل تصبح الصين اكثر صداقة للبيئة؟

المقدر للقراءة دقيقة 8
©IFAD/Qilai Shen

الصين هي أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، وإن كانت أيضاً أكبر بلد منتج للطاقة من المصادر المتجددة.

وقد أصاب التلوث خُمس موارد الصين من الأراضي، وأدى فرط استخدام الموارد المائية إلى نضوب منسوب المياه الجوفية، ويشكل تلوث الهواء رابع أهم عامل من العوامل المسببة للوفاة في الصين. غير أن مستوى الإنفاق السنوي على الحماية البيئية في الصين ارتفع إلى حوالي 1.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي اليوم – أي بما يتفق مع المستويات المسجلة في بلدان أوروبا الغربية.

فهل تصبح الصين أكثر اخضرارا عقب عقود كثيرة من الظلام؟

التكلفة البيئية للتنمية الاقتصادية السريعة في الصين

تجدر الإشارة بداية إلى ما حققته الصين من مسيرة تقدم وإنجازات مذهلة خلال الأربعين عاما الماضية. فقد تضاعف نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بأكثر من 40 مرة. وباتت الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم. والأهم من ذلك أن الصين نجحت في تحويل هذه الإنجازات الاقتصادية إلى منافع اجتماعية، حيث أمكن تحرير 800 مليون مواطن من براثن الفقر المدقع، وارتفع العمر المتوقع عند الولادة بشكل ملحوظ، وتراجعت معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة تراجعا كبيرا، كما أن التعليم المجاني مكفول للجميع في كافة أنحاء الصين.

غير أن هذا النمو الاقتصادي السريع كان له تأثير ملحوظ على الموارد الطبيعية في الصين. فقد أصاب التلوث حوالي خمس موارد الصين من الأراضي. وتدهور 40 في المائة تقريبا من التربة. وأدى فرط استخدام الموارد المائية إلى نضوب منسوب المياه الجوفية. وأصبحت الصين أكبر مصدر لانبعاثات غاز الاحتباس الحراري في العالم.

المعركة "الشرسة" الثالثة التي تواجهها الصين: مكافحة التلوث وحماية البيئة

تدرك الصين التكلفة البيئية الضخمة التي تكبدتها بسبب هذا النمو السريع، واتخذت على مدار السنوات الماضية عدة تدابير لوضع نموذج النمو الذي تتبعه على مسار أكثر استدامة.

وقد أشارت الحكومة إلى مكافحة التلوث وحماية البيئة باعتبارهما أحد المعارك الثلاث "الشرسة" التي تواجهها الصين، مما يوضح الالتزام السياسي الكبير بهذه الخطة. وتتضمن الخطة الخمسية الثالثة عشرة الحالية، وهي الوثيقة التخطيطية الأساسية للحكومة، أهدافا ملزمة فيما يتصل بعدد من المعلمات البيئية الرئيسية، بدءا من استهلاك الطاقة إلى انبعاثات الكربون، ومن جودة الهواء إلى الغطاء الحرجي – إلى جانب معلمات أخرى. وازداد حجم الاستثمارات في صون البيئة والتقنيات الخضراء: فوفقا للبنك الدولي، تنفق الصين ما يعادل حوالي 1.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على الحماية البيئية سنويا، وهو رقم يتفق مع مستويات الإنفاق في بلدان أوروبا الغربية. الصين حاليا هي أكبر بلدان العالم إنتاجا للطاقة من المصادر المتجددة.

لذلك تكشف عدة مؤشرات بيئية عن تحسينات مهمة. ووفقا للإحصاءات الحكومية، شهدت المدن التي نفذت المعايير الجديدة لجودة الهواء تراجعا في متوسط تركُّز الجسيمات الدقيقة من الفئة PM2.5 بنسبة 31 في المائة خلال الفترة من 2013 إلى 2016. وتمكنت الصين بالفعل في عام 2017 من بلوغ هدف عام 2020 بشأن الحد من كثافة الكربون بنسبة تتراوح بين 40- و45 في المائة. وازدادت مساحة الغطاء الحرجي بمقدار 21 مليون هكتار خلال 10 سنوات.

هل تصبح الصين أكثر اخضرارا؟ التحديات المتبقية

على الرغم من التقدم الواضح الذي أحرزته الصين، فإن التحول من نمو سريع غير مستدام إلى نمو أبطأ ولكن أكثر استدامة يتطلب وقتا واستثمارات مستمرة والتزاما سياسيا.

وتحسنت جودة الهواء في السنوات الأخيرة. ولكن تلوث الهواء لا يزال رابع أهم عامل من العوامل المسببة للوفاة في الصين. وهو ما يكبد الصين، حسب بيانات منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي، حوالي 7 في المائة من انفقات الرعاية الصحية، وما يقدر بحوالي 8,.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي جراء الوفيات المبكرة.

وعلى الرغم من أن معالجة المياه العادمة الناتجة عن استخدامات المناطق الحضرية والأنشطة الصناعية أدت إلى تحسن جودة المياه إلى حد ما، أصبح تلوث المياه الجوفية مشكلة كبيرة تؤثر على استخدام المياه في المناطق السكنية والإنتاج الزراعي.

وتتطلب تنقية التربة في الصين تكاليف هائلة. ووفقا لمجلة الإيكونومست، ستتكلف تنقية 250 ألف كيلومتر مربع في الصين 000 1 تريليون دولار أمريكي – أي ما يزيد على مجموع الثروات في العالم.

وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي أحرزته الصين في الحد من كثافة ثاني أكسيد الكربون في السنوات الأخيرة، سيستغرق الحد من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين عدة سنوات بسبب النمو المتوقع في الطلب على الطاقة، والاستخدام الكبير نسبيا للفحم في هيكل الطاقة الحالي، والتكلفة الاقتصادية والسياسية لإعادة هيكلة القطاعات المسؤولة عن حدوث تلوث شديد.

ما الذي يمكن فعله؟

تسير الصين على الطريق الصحيح نحو التحول إلى بلد "أكثر اخضرارا"، ولكن يتعين استمرار الجهود المبذولة مؤخرا وربما تعزيزها.

الاستثمار في مكافحة التلوث وصون البيئة: وفقا لتقديرات البنك الدولي، تنفق الصين بالفعل 130 مليار دولار أمريكي على الحماية البيئية سنويا. ولكن التقديرات الحكومية تشير إلى أن البلد سيحتاج حوالي 350 مليار دولار أمريكي من التمويل الأخضر سنويا حتى عام 2030. وهذا الاستثمار كبير، ولكن ما يبرره هو معدل العائد المتوقع (تراجع مستويات التدهور البيئي وانخفاض معدل استنفاد الموارد بنسبة 6 في المائة من الدخل القومي الإجمالي بحلول عام 2030، وفقا بيانات البنك الدولي).

تحسين المعلومات البيئية: الشرط الأساسي المسبق لاتخاذ قرارات سليمة هو الحصول على بيانات دقيقة لفهم مصادر التلوث والتدهور البيئي، والآثار والتكاليف المترتبة عليهما.

تنويع أدوات السياسات البيئية: وفقا للبنك الدولي، ركزت النُهج التي اتبعتها الصين في السابق على آليات الرقابة "في المراحل النهائية". غير أن هذه الآليات لم تدعم جهود الوقاية من التلوث بشكل كاف. فقد اعتمدت الصين في الأساس على وضع تدابير قائمة على القيادة والتحكم" في مجال حماية البيئة، ولكن آليات السوق (مثل التسعير الذي يرصد بصورة أفضل التكاليف البيئية، والضرائب البيئية، ونظم تداول رخص إطلاق الانبعاثات الكربونية، واستخدام الطاقة، وغير ذلك) التي لم تستغل بالقدر الكافي يمكن أن توفر أداة سياساتية مختلفة، وربما أكثر كفاءة، لحماية البيئة.

وأخيرا، الالتزام السياسي المستمر بمكافحة التلوث وحماية البيئة: لقد برهنت الحكومة بالفعل على التزامها القوي بتحقيق تنمية خضراء أكثر استدامة. وينبغي مواصلة هذا الالتزام وربما تعزيزه من خلال وضع أهداف وغايات أكثر طموحا. وكما أثبتت معركة مكافحة الفقر، يمكن أن تفضي الرؤية العظيمة إلى نتائج عظيمة.

ما هو الإسهام الذي يمكن أن يقدمه الصندوق؟

تسهم الزراعة في التدهور البيئي وتغير المناخ وهي أيضا ضحية لهما. وتعاني الأسر الريفية الفقيرة أشد درجات الضعف في مواجهة آثار التدهور البيئي وتغير المناخ

ويساهم الصندوق بالفعل من خلال استثماراته في زيادة استدامة الزراعة بوسائل تشمل، على سبيل المثال، تشجيع التقنيات والممارسات الزراعية الأقل تلويثا للبيئة التي تستخدم الأراضي والمياه على نحو أكثر استدامة، واستحداث أنواع من المحاصيل أكثر قدرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ، وبناء البنى التحتية اللازمة لتحسين كفاءة استخدام المياه، وتشجيع تقنيات الطاقة المتجددة. ويسهم الصندوق كذلك في جعل فقراء الريف أكثر صمودا وأقل ضعفا في مواجهة التدهور البيئي والكوارث الطبيعية والآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ من خلال تعزيز قدراتهم وزيادة الفرص المتاحة لهم لتحسين سبل عيشهم ومصادر توليد الدخل وتنويعها.

اقرأ المزيد عن الصندوق والصين والمناخ والبيئة.