الحد من الفاقد من الأغذية: هل يحل ذلك مشكلة الجوع في العالم؟
IFAD Asset Request Portlet
ناشر الأصول
الحد من الفاقد من الأغذية: هل يحل ذلك مشكلة الجوع في العالم؟
المقدر للقراءة دقيقة 5
من أكبر التحديات التي تواجه البشرية اليوم كيفية إطعام عدد متزايد دوماً من السكان. وعلى الرغم من أن الجوع لم يعد يتصدَّر العناوين الرئيسية إلا فيما ندر من الحالات فإنه لا يزال قضية الساعة في كثير من البلدان في ظل ما تُشير إليه التقديرات من أن 821 مليون شخص يعانون نقص التغذية في العالم. وتعمل الحكومات والجهات المانحة منذ عقود على زيادة الاستثمار في إنتاج الأغذية للتخفيف من وطأة المشكلة. ولكن ماذا لو أن الحل كان يكمن في غير ذلك؟
لقد انقضت سبع سنوات منذ أن أصدرت منظمة الأغذية والزراعة تقديراتها التي أشارت فيها إلى أن حوالي ثلث الغذاء الذي ينتجه العالم يفقد أو يُهدر. وكما نعلم فإن جانباً كبيراً من الهدر يحدث في البلدان الغنية حيث يُلقى كثير من الغذاء في المهملات أو يترك دون أن يؤكل. غير أن أكثر ما يُثير الدهشة هو أن كميات كبيرة من الغذاء تُفقد في أفقر البلدان التي لديها أكبر أعداد الجوعى أو الأشخاص المصابين بسوء التغذية. ويتأثر معظم هذه البلدان بارتفاع مستويات خسائر ما بعد الحصاد الناجمة عن سوء مناولة المنتجات بعد الحصاد.
لقد زرت رواندا مؤخراً في يوليو/تموز 2018. وعلى غرار كثير من البلدان الأخرى في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تُمثل الزراعة النشاط الاقتصادي الرئيسي في هذه الدولة الكثيفة السكان التي يعمل فيها أكثر من 70 في المائة من اليد العاملة في القطاع الزراعي. ويتولى المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة مناولة معظم المنتجات في منازلهم من خلال ممارسات بدائية بعد الحصاد تفضي في كثير من الأحيان إلى انخفاض جودة المنتجات وكثير من خسائر ما بعد الحصاد.
ويرى المزارعون الذين قابلتهم أن تغيُّر المناخ يُشكل جزءاً هاماً من المشكلة. وبالنظر إلى تغيُّر الأنماط المناخية، يبدأ حالياً جني محصول الذرة أثناء ذروة الموسم المطير. ولا يتاح لمعظم المزارعين إمكانية الوصول إلى مرافق تجفيف مناسبة ولا يمكنهم تجفيف منتجاتهم للوصول بها إلى مستويات رطوبة مقبولة قبل تخزينها، وهو ما يفضي إلى إصابتها بالآفات والعفن والتلوث. والنتيجة التي تنشأ عن ذلك هي كميات هائلة من الذرة غير الصالحة للأكل أو غير القابلة للبيع.
إنها مشكلة حقيقية وهناك ما يثبتها من بيانات. ووفقاً لنظام معلومات خسائر ما بعد الحصاد في أفريقيا، وهو المصدر الرئيسي للمهدر بعد الحصاد في أفريقيا، يمكن أن تصل الخسائر في سلسلة إمداد الذرة في رواندا إلى 22 في المائة. وتصل أيضاً نسبة خسائر المحاصيل الأخرى في سائر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى مستويات مثيرة للفزع، إذ تُشير التقديرات إلى أن متوسط خسائر الحبوب يبلغ 13.5 في المائة على نطاق القارة.
ويمكن لخفض تلك الخسائر أن يُشكِّل حلاً لمشكلة الجوع يتسم بفعالية أكبر من زيادة الإنتاجية. وإذا كانت الأرقام التي نُشرت في تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2011 ترسم الصورة الدقيقة فإن القضاء على خسائر الحبوب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها يمكن أن يوفِّر ما يكفي لتلبية المتطلبات السنوية من السعرات الحرارية لنحو 48 مليون شخص. ولن تضر هذه الزيادة بالبيئة، فهي لن تحتاج إلى موارد إضافية (من مياه وأراض وطاقة) لزراعة الغذاء الذي يمكن بغير ذلك أن يكون مآله سلة المهملات.
وتكمن المشكلة في أنه من الصعب عزل خسائر ما بعد الحصاد عن مسألة تخلف التنمية الريفية بصفة عامة. والسبب في ذلك هو أن هذه الخسائر ترجع في جانب كبير منها إلى الافتقار إلى البنية الأساسية والمعدات الملائمة التي تؤثر على كثير من الاقتصادات النامية. والمطلوب في الواقع هو إصلاح القطاع الريفي وسلاسل قيمته إصلاحاً كاملاً لا يترك أحداً متخلفاً عن الركب.
وينتهج عدد متزايد من المشروعات التي يدعمها الصندوق نهجاً شاملاً يهدف إلى تحسين الكفاءة العامة لسلسلة القيمة عن طريق الارتقاء بقدرات جميع القطاعات المعنية. وتبيَّن من استعراض مكتبي داخلي أن الصندوق خصص فيما بين عامي 2013 و2016 حوالي 433 مليون دولار أمريكي لعمليات ما بعد الحصاد من خلال تلك المشروعات. وتتسم البنية الأساسية والمعدات والقدرات التي يطورها هذا الاستثمار بأهميتها الأساسية لتمكين المنتجين من الحد من خسائرهم.
وقد يكون من المطلوب إجراء تدخلات تركز أكثر على الحد من الخسائر في نقاط الخسائر الحاسمة، على غرار ما قمنا به في تيمور الشرقية عندما قدمنا إعانات لإنشاء 000 42 أسطوانة تخزين محسَّنة لاستخدامها على المستوى الأُسري. ويمكن القول بأن التطوير الشامل والدائم الذي حققه كثير من مشروعاتنا في المجتمعات المحلية الريفية هو أكثر فعالية من التدخلات الجزئية التي يمكن أن تُحقق أثراً فورياً وكبيراً ولكن مستقبلها تعتريه شكوك أكبر.
ولا يقل خفض خسائر الأغذية أهمية عن تحسين الغلات، خاصة في سياق الظروف المناخية المتغيرة. ولكن الطريقة الأكثر فعالية لوقف الخسائر هو الأخذ بنهج شامل يحرص على دمج الحد من خسائر ما بعد الحصاد في كل خطوة على طول سلاسل الإمداد المستهدفة بدءاً من الإنتاج ووصولاً إلى التجزئة. ويمكن لهذا النهج إذا تم تمويله وتنفيذه بطريقة مناسبة أن يكون هو السبيل إلى بناء نُظم أغذية أكثر استدامة تكفل لكل شخص الحصول على الغذاء الكافي وتضمن في الوقت نفسه حماية البيئة.
تاريخ النشر: 29 أكتوبر 2018