الحفاظ على دوام الطعام على الموائد ومنع فواقد الأغذية في وقت لم يعد فيه حال الأعمال على ما كان عليه

IFAD Asset Request Portlet

ناشر الأصول

الحفاظ على دوام الطعام على الموائد ومنع فواقد الأغذية في وقت لم يعد فيه حال الأعمال على ما كان عليه

المقدر للقراءة دقيقة 6
©IFAD/Francesco Cabras

نحن نعيش في ظل أوقات صعبة. فبسبب جائحة كوفيد-19 ومجمل التداعيات التي أعقبتها، لم يعد شيء بالسهولة التي كان عليها - ما لم يكن بإمكانك بالطبع تدبير أمورك وأنت مرتاحاً في منزلك، وبحوزتك هاتف ذكي واتصال جيد بالإنترنت. لقد تعلمنا الارتجال والعمل في ظل ظروف معقدة. وانتابنا القلق بشأن أفراد عوائلنا القريبين منهم والبعيدين.

وعسى جميعنا قد قرأ في وقت سابق من هذا العام عن أرفف المتاجر الكبرى في أوروبا وأمريكا الشمالية الخالية من السلع، ولكن لم يعر الإعلام إلا قليلاً من التركيز لصغار المنتجين والمجتمعات الريفية والانقطاعات الحقيقية جداً التي جرت في مجال إنتاج الأغذية والحصاد وتوافر الأغذية في الجنوب العالمي.

ووفقاً لتقديرات حديثة، قبل انتشار الجائحة، كان يتم فقد 14 في المائة من إنتاج الأغذية في العالم قبل أن تصل إلى المستهلك. وهذا مجال حرج يستحق الاهتمام. فنظراً لأن الموارد الطبيعية أصبحت أندر وأثمن من ذي قبل، لم يعد بإمكاننا أن نجازف باستخدام الأراضي والمياه والوقود لإنتاج طعام لن يأكله أحد.

وبالنسبة لمن يعملون منّا في مجال التنمية الريفية، فإن فكرة أن ملايين المزارعين وعمال المزارع حول العالم كان (وفي بعض الحالات لا يزال) يُطلب منهم "البقاء في المنازل" بدت مثيرة للقلق بشكل خاص. فلا يقتصر الأمر على أن أوامر البقاء في المنزل ستمنع الناس من الحصول على راتب يومي، أو أن "منازلهم" قد لا تكون مريحة أو فسيحة.

بل بالنسبة للأشخاص الذين يديرون 500 مليون مزرعة صغيرة حول العالم، هناك أميال وأميال من الحقول في انتظار حرثها وريها وزراعتها، وأطنان وأطنان من المنتجات في انتظار حصادها وفرزها ونقلها إلى الأسواق. وهناك أيضا هوامش زمنية محدودة جدا يمكن خلالها إجراء كل مرحلة بشكل صحيح وتقديم طعام طازج ومغذٍ للمجتمعات والأسر القريبة والبعيدة قصيرة جداً. وأثناء قيام هؤلاء المزارعين بهذا العمل الضروري للغاية للأمن الغذائي العالمي، يسعون أيضاً للتكيف مع العديد من التحديات التي تتجاوز جائحة كوفيد-19: تغير المناخ وأنماط الطقس غير المنتظمة والفيضانات والجفاف وزيادة الآفات، وكلها عوامل تعطل دورة إنتاج الأغذية.

ولعلنا نعرف أن نسبة كبيرة من غذاء العالم تتم زراعتها في الملايين من قطع الأراضي الصغيرة في مواقع ريفية نائية حول العالم. وعندما لا يتمكن المزارعون من شراء البذور لزراعة محاصيلهم، لا تُزرع تلك المحاصيل. وعندما لا يتمكن العمال من الوصول إلى الحقول، لا يُحصد الطعام. وعندما يُحظر النقل، لا يصل المنتج الزراعي إلى السوق. وعندما يتعذر فتح الأسواق أو لا يستطيع الناس الوصول إليها، لا يتم شراء الطعام - وغالباً ما يُفقد.

فيعمل الصندوق جاهداً خاصة في البلدان التي يستثمر فيها لضمان حصول صغار المنتجين على الدعم الذي يحتاجون إليه لمواصلة إنتاج أغذية مغذية وبيعها بأسعار ميسورة مع تحقيق عيش لائق. ويمكن أن يساعد دمج التقنيات الرقمية بنفس الطريقة التي يباشر بها المزارعون أعمالهم التجارية "بشكل طبيعي"، وكذلك السياسات الحكومية التي تدعم صغار المنتجين والعاملين الريفيين في أداء عملهم بأمان.

ففي بنغلاديش، عمل فريق الصندوق مع الحكومة لإنشاء نظام نقل ولوجستيات معتمد لنقل المدخلات الزراعية بأمان (البذور والأسمدة وما إلى ذلك) والمنتجات الزراعية والماشية داخل المناطق الريفية وخارجها. ولقد اعتُمد هذا النظام بسرعة وأدى إلى ضمان تقليل انقطاع انتقال الإمدادات الزراعية إلى المناطق الريفية ووصول المنتجات الغذائية إلى الأسواق الحضرية وشبه الحضرية، لأدنى حد.

ويعمل الصندوق منذ فترة طويلة مع مجموعات ورابطات المزارعين لمساعدتهم على تجميع المنتجات والتواصل مع مشغلي سلسلة القيمة والترويج لأنفسهم. وقد ساعدت هذه "القوة في الكثرة" مجموعات المزارعين على التفاوض على أسعار أفضل، وسياسات أفضل، وممارسات أفضل للزراعة تحمي البيئة. ومن ضمن مجموعات المزارعين الأكثر فعالية في آسيا، اتحاد المزارعين الآسيويين من أجل التنمية الريفية المستدامة، الذي يتلقى دعم الصندوق من خلال منحة إقليمية كبيرة. وهو يستأثر بعدد من المبادرات المبتكرة، بما في ذلك أسواق الخضروات عبر الإنترنت في الفلبين: وهي أحد أوجه التكيف مع أزمة الجائحة التي سمحت للعملاء الحضريين في مانيلا بشراء الطعام الذي عادة ما كانوا يشترونه من أسواقهم المحلية، والتي لم يعد بإمكانهم الوصول عليها بسبب تدابير الإغلاق.

وفي كمبوديا، ساعدت إتاحة المعلومات الأساسية للمزارعين والمستهلكين عبر الإنترنت في سد بعض الفجوات التي تسببت في انقطاع سلسلة القيمة من الحقل إلى المائدة. ويعكف البلد حالياً على إنشاء "منصة البيانات الزراعية الضخمة"، كما قام الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، بالتعاون مع وزارة الزراعة الوطنية، بتطوير وإطلاق تطبيق مخصص للمزارعين يقدم المساعدة التقنية بشأن أساليب الزراعة ويعمل على إيصال المحاصيل إلى الأسواق المتاحة.

وفي الهند، استخدم العديد من البرامج التي يدعمها الصندوق المنصات الرقمية للربط مباشرة بين المزارعين والمستهلكين.  وفي جارخاند، يبيع المزارعون منتجاتهم الزراعية من خلال تطبيق عبر الإنترنت تم تطويره محلياً. وفي ولاية ماهاراشترا، تبيع مجموعات من المنتجين منتجاتهم الزراعية الطازجة عبر تطبيق واتساب.

وفي بعض البلدان، بما في ذلك جزر المحيط الهادي، تسببت الجائحة في توقف صناعة السياحة، واندثر معها جزء كبير من العمالة بين عشية وضحاها. وفي مواجهة تراجع الدخل في فيجي، لجأ الكثيرون إلى البستنة المنزلية لإطعام أسرهم. وتتعاون حالياً الحكومة مع شركة تعمل في مجال التكنولوجيا لتطوير منصة زراعية رقمية تربط السكان المحليين الذين ينتجون فائضاً من الفواكه والخضروات الطازجة في بساتينهم المنزلية بالمستهلكين المحتملين في مجتمعاتهم.

لا يوجد حل واحد يناسب الجميع لكفالة تمكّن صغار منتجي الأغذية في آسيا والمحيط الهادي من العمل بأمان وتناول الطعام وتزويد المنطقة بالأغذية الطازجة والمغذية التي يحتاجها السكان للبقاء بصحة جيدة. ولكن من الأهمية بمكان أن نواصل دعم صغار المنتجين وعمال المزارع ومنع خسائر الأغذية من خلال الحفاظ على استمرار عمل سلاسل القيمة الغذائية المحلية.