تكنولوجيا سلسلة الكتل: ماذا تحقق لأصحاب الحيازات الصغيرة؟
IFAD Asset Request Portlet
ناشر الأصول
تكنولوجيا سلسلة الكتل: ماذا تحقق لأصحاب الحيازات الصغيرة؟
المقدر للقراءة دقيقة 8
تخيَّل أن بوسعنا، بدلاً من إعادة توزيع الثروة من خلال الحكومات، أن نُغيِّر أصلاً الطريقة التي توزَّع بها الثروة. وهذا هو بالضبط الغرض من سلسلة الكتل. وانبثق هذا المفهوم عن حركة متطرفة عرفت باسم cypherpunk تهدف إلى زعزعة دور الحكومات والمؤسسات المصرفية والهيئات الكبيرة في أعقاب الأزمة المالية. وهذه التكنولوجيا يستخدمها حالياً كبار اللاعبين في السوق، وتُقدَّم معظم طلبات البراءات الأكثر اتصالاً بسلاسل الكتل من عملاقي التكنولوجيا Alibaba وIBM. والمثير للاهتمام في التكنولوجيات التي تستخدم سلسلة الكتل، مثل عملة البيتكوين، ليس فقط قيمتها السوقية، بل وكذلك ما تنطوي عليه من إغراءات لتغيير النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.
وتعمل سلسلة الكتل عن طريق إنشاء آلية تحقق الثقة بين الجهات الفاعلة في السوق دون الحاجة إلى سلطة تنظيمية. وهي باختصار قاعدة بيانات للأصول تستخدم التشفير لإنشاء سجل للمعاملات. وهي بهذا لا تختلف عن دفتر الأستاذ العام التقليدي، باستثناء أن كل معاملة مسجلة لا تمحى ولا يمكن تعديلها ويخزنها كل شخص في آن واحد داخل شبكة من الأقران. وهذا المستوى من الشفافية يخلق ثقة بين الوسطاء. وتستفيد تكنولوجيات الجيل الثاني، مثل تكنولوجيا الإيثريوم، من ذلك وتُمكِّن من إبرام ’عقود ذكية‘ يمكن أن تقود إلى سلسلة من الإجراءات، مثل الإفراج عن المدفوعات في حالات محدَّدة وفقاً لقواعد العقد. وهذه الزعزعة لطريقة حفظ السجلات التقليدية هي ما يدعم قدرة هذه التكنولوجيا على إحداث تحول.
وبينما تفتح تكنولوجيا سلسلة الكتل موجة من الإمكانات لتحسين الإنتاجية وإضافة القيمة وتقاسم المعلومات بأمان، فإنها لا تزال في مهدها وصاحبتها معلومات كاذبة كثيرة وكذلك قصص نجاح. وتشمل القضايا الهامة التكلفة البيئية لقدرات الحوسبة الهائلة المطلوبة في أنواع معيَّنة من شبكات سلاسل الكتل، والأخطاء البشرية التي ينطوي عليها إدراج البيانات في السلسلة. غير أن سلسلة الكتل يمكن أن تهم المجتمعات المحلية الريفية، لا سيما في الاقتصادات النامية والدول الهشة، بسبب الأبعاد المتعلقة بالثقة. وتُمثِّل الأعمال المصرفية والتحويلات المالية وحقوق الأراضي وشفافية سلسلة الإمداد مجالات ثلاثة بدأ فيها اختبار إمكانات سلسلة الكتل.
وفي كثير من البلدان النامية، لا تزال الخدمات المالية الرسمية لا تصل إلاّ إلى 10 في المائة من المجتمعات المحلية الريفية، ولا يُشكِّل أفقر العملاء في كثير من الأحيان مصدراً للربح للمصارف التجارية. ويمكن أن يعاني أصحاب لأعمال الريفية الصغيرة والمهاجرين الدوليين صعوبات كثيرة في فتح الحسابات أو إرسال الحوالات إلى أوطانهم، ويتكبدون في كثير من الأحيان أسعار فائدة أعلى على الائتمانات بسبب مسائل التحقق من الهوية والافتقار إلى البنية التحتية الأساسية ومخاطر العملة.
ويمكن لسلسلة الكتل أن تساعد في ذلك لأن من الممكن استخدامها لتحديد هوية الأفراد عن طريق إضافة بيانات بيومترية إلى السلسلة، مثل برنامج الأغذية العالمي، لتحديد هوية العملاء بصورة آمنة أو عن طريق استخدام عملة البيتكوين كجسر للمزاوجة بين عملتين مختلفتين. ويمكن أن يساعد ذلك على نقل التحويلات المالية بأمان وتخفيض تكاليف المعاملات. وعلاوة على ذلك فإن ربط التعاونيات بتكنولوجيا سلسلة الكتل من خلال تطبيقات الهواتف المحمولة يمكن أن يتيح لأصحاب الحيازات الصغيرة الاحتفاظ بسجلات شفافة للمعاملات وييسر التعاون. ويمكن للعقود الذكية التي تشملها هذه التقنية أن تُمكِّن من إجراء مدفوعات في الوقت الحقيقي، ويمكن بالتالي دفع الأموال في ذات اللحظة تقريباً إلى الأطراف العاملة على طول سلاسل الإمداد عندما يُتخذ إجراء متفق عليه، ويفضي ذلك بالتالي إلى طريقة مصرفية مختلفة. وهذا بدوره يمكن أن يُمكِّن السكان الريفيين الفقراء من ادخار النقود وتخفيض درجات الجدارة الائتمانية وتقليص سلاسل الإمداد وتسخير القدرة التفاوضية الجماعية بمزيد من الفعالية.
ويمكن للعقود الذكية أن تُسرِّع إصدار مطالبات أصحاب الحيازات الصغيرة وتقلص من حالات التدليس، وهو ما يمكن بالتالي أن يخفِّض أقساط التأمين ويسرِّع أداء المدفوعات. وفي حال وقوع فيضان أو جفاف، يمكن أن تُصرف فوراً وتلقائياً للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة المدفوعات الآلية المرتبطة بالعقود الذكية، ويُساعد ذلك على التخفيف من مخاطر الكوارث الطبيعية ويُحقق الاستقرار في سُبل سكب العيش المتقلبة.
وتتسم حقوق الأراضي بأهميتها الأساسية في تمكين المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من إجراء استثمارات طويلة الأجل في أعمالهم. ومن شأن جعل حقوق الأراضي متاحة بأمان على الإنترنت للجمهور باستخدام تكنولوجيا سلسلة الكتل أن يقضي على مطالبات الحيازة المتعددة لنفس قطعة الأرض لأن سجلات سلسلة الكتل لا يمكن تغييرها بعد قيد البيانات فيها، وهو ما يمكِّن المزارعين من شراء الأراضي بأمان عندما يعرفون أنه لن يكون من الممكن المساس بعد ذلك بحقهم في الأرض. وفي السياقات الهشة، يمكن أن يساعد ذلك بدوره على زيادة استقرار المجتمعات.
ويمكن حالياً الاستفادة تماماً من سلسلة الكتل في تحسين شفافية سلسلة إمدادات المنتجات العالية القيمة، مثل الماس، ولكنها قد لا تكون فعالة من حيث التكلفة أو عملية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة. والسبب في ذلك هو صعوبة توسيم السلع المادية بعلامات ملموسة لضمان صحتها في مختلف مراحل سلسلة القيمة. وتُمكِّن القيمة العالية للماس، على سبيل المثال، الموردين من قبول تكلفة وضع علامة فريدة لتحديد هوية المنتج باستخدام تكنولوجيا الليزر. ولا تزال محاولات التغلب على هذه المشكلة في الزراعة قيد التجربة، وذلك عن طريق علامات الاستجابة السريعة المشفرة على أسماك التونة، ولكن في الواقع حالما يتم تقطيع أو تحضير السمكة أو أي منتج آخر أو تنخفض قيمته، يصبح من الصعب التحقق منه وتتبعه. وعلاوة على ذلك، فإن هذا التوسيم باهظ التكلفة. ومعقَّد بالنسبة لصغار المنتجين وسلاسل الإمداد. ويمكن في حال معالجة ذلك تحسين سلامة الأغذية والتمكين من استخدام المدفوعات الذكية.
وبدأنا في الصندوق اختبار الطريقة التي يمكن بها تسخير سلسلة الكتل لدعم دور الصندوق كمؤسسة مالية دولية وكوكالة من وكالات الأمم المتحدة. ويقوم الصندوق حالياً بتجريب استخدام تكنولوجيا سلسلة الكتل في عدة تطبيقات مالية مع وكالات الأمم المتحدة الشريكة. وتعكف هذه الوكالات على تجريب سلسلة الكتل لتقاسم المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية بين الصندوق وعدة جهات شريكة. وتوضع كل معاملة بين الوكالات الشريكة في سلسلة كتلية تتيح الاطلاع عليها فوراً من بُعد للتحقق منها في ذات اللحظة وضمان شفافيتها بغض النظر عن نظام الموارد الذي تستخدمه الوكالة. ويمكن توسيع ذلك في حال نجاحه ليشمل جميع المؤسسات المالية الدولية الشريكة ووكالات الأمم المتحدة لدعم التعاون والاتساق وتوحيد الإبلاغ الذي سيعود بالخير على السكان الريفيين والكيانات والحكومات العاملة مع الصندوق وشركائه الإنمائيين.
وشهدت تكنولوجيا سلسلة الكتل تطورات جديدة مثيرة في مجال سداد المدفوعات عبر الحدود أعلنتها مؤخراً مجموعة خدمات Ant Financial ونقوم أيضاً بالنظر في تلك التطورات، نظراً لما يمكن أن تساهم به المدفوعات غير النقدية في إحداث ثورة في طريقة تحويل الأموال من أجل التنمية.
ويبحث الصندوق أيضاً إمكانية استخدام سلسلة الكتل في عملياته، فهي يمكن أن تدعم الشمول المالي والوصول إلى الأسواق وسلاسل القيمة. وسوف يكمن التحدي في النظر من خلال مشروعاتنا التجريبية في إمكانية تسخير تكنولوجيا سلسلة الكتل في تنفيذ مشروعاتنا.
ويقود الصندوق وبرنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معاً مجموعة عمل معنية بالابتكار في التمويل لزيادة الاستفادة من تكنولوجيا سلسلة الكتل في دعم الكفاءة والشفافية في منظومة الأمم المتحدة وبما يعود بالخير على المستفيدين.
تاريخ النشر: 05 نوفمبر 2018