ربط صغار المنتجين بالأسواق في لبنان

IFAD Asset Request Portlet

ناشر الأصول

ربط صغار المنتجين بالأسواق في لبنان

المقدر للقراءة دقيقة 6

يشبه موسم التفاح في لبنان إلى حد كبير مواسم التفاح في أنحاء أخرى كثيرة من العالم. إذ تنخفض درجات الحرارة، وتكتسي الأشجار بألوان ذهبية وحمراء زاهية، ويبدأ مزارعو التفاح حصادهم.

غير أن مزارعي التفاح في لبنان - إلى جانب صغار المزارعين من كافة الفئات – يواجهون عددا من القيود التي تحد من قدرتهم على إنتاج محاصيلهم وبيعها بكفاءة. ويستفيد العديد من المزارعين الأسريين في هذه المنطقة من العالم بصورة كبيرة من خدمات المشورة والإرشاد، مثل التدريب على التقنيات الزراعية الحديثة، غير أن توفير هذه الخدمات يعاني من تشرذم شديد. وفي حين يمكن لبعض المزارعين العمل مع المنظمات غير الحكومية التي تنشط في منطقتهم، فإنه يجب على الآخرين الاعتماد على بائعين من القطاع الخاص لإمدادهم بالمدخلات من قبيل البذور والأسمدة – غير أن هذه العمليات الأخيرة قد لا تكون مؤهلة لتقديم الدعم واسع النطاق الذي يحتاج إليه هؤلاء المزارعون.

ويغلب طابع التشرذم نفسه على البنية التحتية - من مرافق التخزين والتجهيز، إلى النقل، والمعلومات المتعلقة بالأسعار والأسواق - التي تخدم سلاسل القيم الزراعية في جميع أنحاء البلاد. وتتسم حيازات الأراضي بصغر مساحتها أيضا، مما يعيق قدرة المزارعين على التنظيم والتفاوض للحصول على شروط أفضل. وبهذا الشكل، يجد صغار المزارعين أنفسهم معتمدين على نظام سوق الجملة أو البيع للوسطاء، وغالبا ما يحصلون على أسعار تقل عما يستحقونه لقاء محاصيلهم.

وكان هذا هو الحال في عكار العتيقة، وهي قرية ريفية صغيرة تقع في المرتفعات اللبنانية. وكان مزارعو التفاح هناك لا يزالون يستعينون بالممارسات الزراعية التقليدية، والتي - على الرغم من ثروة المعرفة المحلية التي تجسدها – لا تعتبر مكيفة بشكل يسمح بإنتاج محاصيل تتسم بالحجم والبنية اللازمين للبيع خارج الأسواق المحلية. وكان من الصعب عليهم أيضا الوصول إلى نقاط البيع هذه في المقام الأول، مما أدى بدوره إلى محدودية وصولهم إلى أحدث المعلومات حول الأوضاع الحالية للأسواق ومستويات الطلب - مما جعل بيع الكمية المناسبة من المحاصيل مقابل السعر المناسب وفي الوقت المناسب أمرا مستحيلا بالنسبة لهم.

وبدأ ذلك يتغير في عام 2018 مع إطلاق مشروع التنمية الزراعية المستدامة في مناطق التلال، وهو عبارة عن مبادرة يدعمها الصندوق تم تكريسها لمساعدة صغار المزارعين اللبنانيين، في عكار العتيقة. ورأى المشروع إمكانات واعدة في مركز بزبينا-عكار لخدمات المزارعين، وهي منظمة محلية قائمة منذ زمن ولكن نشاطها كان قد توقف منذ فترة طويلة. وساعد المشروع مزارعي التفاح في القرية على إعادة تنشيط مركز خدمات المزارعين وعرفهم على شركةAGREEN ، وهي شركة لبنانية تختص بتصدير الخضار والفواكه. وخلال ذلك الموسم الأول، اشترت شركة 60 AGREEN طنا من التفاح من مركز خدمات المزارعين، ووظفت فريقا من 18 سيدة محلية لفرزها وتجهيزها. وشكّل ذلك بالنسبة لعكار العتيقة بداية رائعة.

ومثلت عملية الشراء الأولى هذه فرصة عمل أكثر من جيدة بالنسبة لجميع المعنيين: فقد كانت بمثابة تجربة لنموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يروج له مشروع التنمية الزراعية المستدامة في مناطق التلال. وكان المشروع على اطلاع على التشرذم الذي يعاني منه النظام الزراعي في لبنان وعدم التكافؤ في وصول المزارعين إلى الدعم، ورأى في مثل هذه الشراكات مفتاحا لتوحيد هذه الأنظمة المتباينة.

وتعد مراكز خدمات المزارعين مثل بزبينا-عكار، بدورها، حلقة وصل حاسمة بين صغار المزارعين ونقاط البيع النهائية – ولا سيما بالنسبة للأسواق التي قد لا يتمكن هؤلاء المزارعون من الوصول إليها بطريقة أخرى. وتعمل هذه المنظمات كحيز للاجتماع ونقطة مشتركة للخدمات، مما يسمح لصغار المزارعين بتجميع إنتاجهم، ومواردهم وأرباحهم. وهي غالبا ما تقدم خدمات ما بعد الحصاد الحيوية التي لا يمتلك العديد من المزارعين خبرة كبيرة فيها، مثل التغليف والعلامات التجارية والتسويق. ويمكن لها أيضا أن تعمل ككيانات تجارية قائمة بذاتها، مما يسمح بحدوث التفاعلات بين صغار المزارعين والقطاع الخاص، والتي كانت مستحيلة سابقا من الناحية اللوجستية.

وتعمل مراكز خدمات المزارعين أيضا كنقطة دخول للمنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى من أجل تقديم المشورة، والمدخلات، وخدمات الإرشاد التي يحتاج إليها العديد من صغار المزارعين. وفي عكار العتيقة، على سبيل المثال، عمل مشروع التنمية الزراعية المستدامة في مناطق التلال من خلال المركز المحلي لخدمات المزارعين من أجل تنظيم دعم ميداني عملي، بما في ذلك دورات تدريبية لمساعدة المزارعين على تحسين ممارساتهم الإنتاجية، والاستفادة من مواد زراعية وأصناف محاصيل أفضل، وتعزيز ممارسات الإدارة الشاملة التي يتبعونها في مزارعهم الخاصة.

ومع الفوائد التي عادت بها هذه التدريبات وخدمات ما بعد الحصاد التي نظمها مركز خدمات المزارعين، شهد مزارعو التفاح تحسنا كبيرا في كمية ونوعية محصولهم التالي، وتمكنوا من تلبية معايير الجودة اللازمة لدخول أسواق أوسع بصورة مستمرة. مع اقتراب موسم الحصاد لعام 2019، دخل المزارعون في مفاوضات جديدة مع شركة AGREEN، وانتهت تلك المفاوضات بالتوصل إلى ترتيب زراعي تعاقدي كامل بين الشركة والمزارعين. وفي سبتمبر/أيلول 2019، اشترت شركة AGREEN كمية إضافية تعادل 60 طنا من التفاح. وباعت جزءا من هذه الكمية في السوق المحلية وصدرت الكمية المتبقية إلى الأردن ومصر، وحقق بذلك المزارعون دخلا أفضل بكثير.

وفي عكار العتيقة وجميع أنحاء منطقة مشروع التنمية الزراعية المستدامة في مناطق التلال، يثبت نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص فعاليته وكفاءته من ناحية التكاليف. ويتمتع المزارعون المحليون بتقنيات أكثر كفاءة في الزراعة والحصاد، وبتحسينات في كمية محاصيلهم ونوعيتها، وبالوصول إلى الدعم الذي يحتاجون إليه – سواء كان ذلك قبل الحصاد أو بعده.

تعرف على المزيد حول عمل الصندوق في لبنان.