بناء قدرة المزارعين الأسريين على الصمود من خلال الحلول القائمة على الطبيعة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي

IFAD Asset Request Portlet

ناشر الأصول

بناء قدرة المزارعين الأسريين على الصمود من خلال الحلول القائمة على الطبيعة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي

المقدر للقراءة دقيقة 7

Photo by Scott Umstattd on Unsplash

مع استمرار جائحة كوفيد-19 في زعزعة حياة الناس في جميع أنحاء العالم، فإنه ربما من غير المستغرب أن تصبح القدرة على الصمود مثار حديث الجميع في المجتمع الإنمائي.

وعندما توجه الحياة ضربة قاسية، فإنك تدرك أنه لكي تكون قادرا على الصمود – أي لتكون قادرا على التكيف والتأقلم في مواجهة الصدمة – فإن عليك التركيز على الأساسيات. وما الذي يمكن أن يكون أساسيا أكثر من اللجوء إلى البيئة الطبيعية، النظم الإيكولوجية؟ وفي واقع الأمر، قد نجد حلولا حقيقية في فكرة "العودة إلى الأساسيات"، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالزراعة.

كلما قمنا بمواءمة الزراعة عن كثب مع النظم الإيكولوجية والبنية التحتية الطبيعية، كلما زاد عدد المزارعين المستعدين لمقاومة الصدمات الفورية مثل تفشي جائحة كوفيد-19 والصدمات الأقل وضوحا، وإن كانت ذات طبيعة مماثلة (على الأجل الطويل)، مثل تغير المناخ.

ويتيح لنا فهم النظام الإيكولوجي الذي نعيش فيه تحقيق الاستفادة القصوى مما توفره الطبيعة، وتقليل عدد المدخلات الخارجية التي نحتاج إليها لمواصلة مسيرتنا إلى أدنى حد ممكن. ويعني ذلك أيضا أننا نثمن الأصول الطبيعية التي لا تعد ضرورية للمشروعات الاقتصادية فحسب، بل لاستمرارية الحياة البشرية كما نعرفها أيضا.

كما أفهمتنا آثار جائحة كوفيد-19، بأشد الطرق قسوة، أنه في أوقات الأزمات، تلعب القدرة على الصمود على المستوى المحلي دورا أساسيا من أجل البقاء.   وحين تصبح سلاسل الإمداد مجزأة أو معطلة، تكتسب القدرة على الاعتماد على الموارد الطبيعية المحلية في إنتاج الغذاء، وتوفير المياه، وتوليد الطاقة أهمية أساسية.

لقد كان الأمر واضحا في السابق، وهو الآن أوضح من أي وقت مضى: يجب على حلول التنمية الريفية في حقبة ما بعد جائحة كوفيد-19 أن تكون مراعية للطبيعة. وهذا سبب تصميمنا على استثمار المزيد في الحلول القائمة على الطبيعة.

وتعد الحلول القائمة على الطبيعة إجراءات تقوم بحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية أو المعدلة وإدارتها على نحو مستدام واستعادتها. ووفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تشمل الحلول القائمة على الطبيعة، والتي تعد بإحداث الأثر الأكبر على صعيد التكيف وبناء القدرة على الصمود، الحراجة الزراعية، وتحسين إدارة الأراضي الزراعية، والتنويع الزراعي، والإدارة المتكاملة للمياه، وإدارة الغابات – وتعتبر جميعها مجالات يستثمر فيها الصندوق من موارده الأساسية.

كما يتم تعريف الحلول القائمة على الطبيعة حسب السياقات الطبيعية والثقافية الخاصة بالمواقع. إذ أنها تأخذ بعين الاعتبار المعرفة التقليدية والمحلية بالإضافة إلى المعرفة العلمية. وهي لا تسعى إلى حماية الطبيعة فحسب، ولكنها تطمح أيضا إلى توليد منافع مجتمعية بطريقة منصفة، وبناء مستقبل مستدام وعادل عوضا عن السعي إلى تحقيق عوائد اقتصادية فورية.

وبدأ الصندوق بتطبيق هذا النهج منذ فترة طويلة. وينطبق ذلك بشكل خاص على مشروعاتنا في إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث سعينا دائما، نظرا لما يتمتع به الإقليم من وفرة في رأس المال الطبيعي، إلى تعظيم فوائد الاستثمار في البنية التحتية الخضراء.

ويعد برنامج الإدماج الاقتصادي للأسر والمجتمعات الريفية في أراضي دولة بوليفيا المتعددة القوميات مشروعا لسلاسل القيمة يتسم بالقدرة على الصمود، وقد جرى دعم هذا البرنامج بأموال من برنامج التأقلم لصالح زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة، وتم إنهاؤه بنجاح كبير العام الماضي. وركز المشروع على التخطيط التشاركي من القاعدة إلى القمة، والذي تمكن من خلاله المستفيدون – وهم سكان الريف أنفسهم – من تحديد الحلول القائمة على النظام الإيكولوجي التي تتضمن معارفهم الأصلية والتقليدية.

وبموجب هذا النظام، بدأ أحد المجتمعات المحلية بمشروع لتربية النحل تضمن أنواعا من الأشجار المحلية، الأمر الذي أدى إلى إطلاق عملية لإعادة التشجير. وحاليا، يقوم مجتمع محلي آخر في مستجمع المياه نفسه باستصلاح ضفاف النهر عبر زراعة الأشجار والشجيرات المحلية لمنع التعرية. ويجعل هذا المزيج من الاستثمارات السابقة واللاحقة مستجمع المياه بأسره أكثر قدرة على الصمود في وجه الفيضانات المتكررة.

وفي بيرو، يعمل مشروع الحفظ والاستخدام المستدام للنظم الإيكولوجية في مرتفعات جبال الأنديز عبر الدفع مقابل الخدمات البيئية للتخفيف من وطأة الفقر الريفي والإدماج الاجتماعي، الذي يدعمه مرفق البيئة العالمية، على وضع آلية للدفع مقابل خدمات النظام الإيكولوجي في مستجمعين رئيسيين للمياه.  وتوفر هذه الآلية التمويل لمجتمعات المنبع القادرة، عبر ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، على تحسين أنشطتها الإنتاجية مع الحفاظ على الغابات المتوارثة والأراضي الرطبة، والتي تعد ضرورية للحفاظ على تدفق المياه لمستخدمي المياه في مجرى النهر، مثل المزارع التجارية والعمليات الصناعية. ويوفر النظام فائدة ثلاثية تتمثل في تحسين سبل العيش، واستعادة النظم الإيكولوجية، وإمداد مستقر بالمياه ذات النوعية الجيدة.

وفي الوقت نفسه، سيركز مشروع القدرة الزراعية على الصمود في وجه تغير المناخ، والذي وصل إلى المرحلة النهائية للتصميم، بصورة كاملة على الاستثمار الأخضر للتأقلم مع الجفاف المتزايد في المناطق شبه القاحلة   في البرازيل. وبدلا من السعي إلى زيادة توافر المياه باستخدام المضخات والسدود والخزانات، سيستعين المشروع بقدرة النباتات والحيوانات المحلية على الوصول إلى المياه وتخزينها، مما يؤدي إلى نباتات وحيوانات قادرة على توفير المياه للأنشطة الإنتاجية.

ولتحقيق ذلك، سيعمل المشروع على الترويج لتحول في الممارسات الإنتاجية، وتمكين النساء والشباب المحليين من تعزيز القدرة على الصمود والأمن الغذائي لدى المجتمعات التي تتعرض سبل عيشها بالكامل للتهديد نتيجة الجفاف. وينطوي المشروع أيضا على هيكل تمويلي مبتكر يجمع بين الدعم المقدم من الصندوق، والصندوق الأخضر للمناخ، ومصرف التنمية الوطني البرازيلي.

وقد قلنا بأن عمليات الصندوق بعد جائحة كوفيد-19 في إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي يجب أن تتبع، من الآن فصاعدا، ما نسميه نهج : التعافي، وإعادة التنشيط، والقدرة على الصمود.

ولا شك أن العنصر الأخير ضمن هذه العناصر الثلاثة هو الأهم، إذ أنه يتحدث مباشرة عن جوهر مهمة الصندوق: أي تزويد المزارعين الأسريين بالوسائل التي يحتاجون إليها لتحقيق الازدهار. وعندما نضمن قدرة المزارعين الأسريين على الازدهار، يمكن للجميع الازدهار أيضا: يعتبر هؤلاء المزارعون الوحيدين الذين يستطيعون، عبر توفيرهم لغذاء عالي الجودة لموائدنا، ضمان عدم تحول أزمة صحية مثل جائحة كوفيد-19 إلى كارثة غذائية.

إن قدرتهم على الصمود هي قدرتنا على الصمود - وسوف يستعين الصندوق بكافة الأدوات المتاحة للمساهمة في بنائها. وتشكل الحلول القائمة على الطبيعة، بدون أدنى شك، إحدى هذه الأدوات.